فصل: فتح أصبهان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أصبهان (نسخة منقحة)



.بدء أصبهان: وعدد مدنها ورساتيقها:

وأما أصبهان فإن رقعتها وضعت على مائة وعشرين فرسخاً في مائة وعشرين فرسخاً وحدودها كانت ما بين أطراف همذان وماه ونهاوند إلى أطراف كرمان وما بين أطراف الري وقومس إلى أطراف فارس وخوزستان وكانت موضوعة على أساتين ثلاثة وعلى ثلاثين رستاقاً ومائة وعشرين طسوجا وخمسة آلاف قرية وسبع مدائن ذكر ذلك صاحب كتاب أصبهان مشروحاً بأساميها وحدودها. فأما أسامي مدنها فمدينة كهثة ومدينة جار ومدينة جي ومدينة قه ومدينة مهربن ومدينة دررام ومدينة سارويه فخربت من هذه المدن السبع أربع وبقيت إلى الإسلام ثلاث مدائن مدينة جي ومدينة مهربن ومدينة قه هذه المدن حصلت على كورتين وسبعة وعشرين رستاقا وثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاث عشرة قرية إلى أن وردها العرب فخربوا من المدن الثلاث مدينتين مدينة قه من رستاق جه ومدينة سارويه من رستاق قاسان. ثم إن الرشيد كور كورة قم من أصبهان على أربعة رساتيق مع ما أضاف إليه من رساتيق أخر من همذان ونهاوند فحصلت أصبهان بعده على ثلاثة وعشرين رستاقا إلى أن شرع المعتصم في بناء كورة الكرج فكور الكرج على أربعة رساتيق من أصبهان وعلى ضياع أخر من ضياع نهاوند وهمذان فحصلت أصبهان بعد المعتصم على تسعة عشر رستاقاً وكورة واحدة وألفين وخمسمائة قرية بالتقريب هذا ما قاله صاحب كتاب أصبهان.
وأما بناء مدينة جي فقيل بناها الإسكندر الرومي على يدي جي زارده الأصبهاني فسميت المدينة به وعرض أساس سورها ستون لبنة وألزق بأساسه الفرهيز بالشيفتق وقيل إن المدينة كانت مبنية قبل أيام مملكة جم فخربها فراسياب فيما خرب من سائر المدن بإيران شهر وأعاد أساسها خماني جهرازاد بنت بهمن بن إسفنديار الملكة قبل مجيء الإسكندر فماتت خماني من بناء السور على النصف وورد الإسكندر فتركها على حالها فبقيت على حالتها إلى أيام فيروز بن يزدجرد فتقدم إلى آذرسابور بن آذرمانان من قرية هراسنان من رستاق مابرين بإتمام بناء سور مدينة جي وذلك قبل الإسلام بمائة وسبعين سنة فأتم بناءها آذرسابور وركب فيه الشرف وهيأ مواقف المقاتلة على أعلاه وعلق أربعة أبواب في أربعة مواضع من السور في أربعة أيام في كل يوم بابا علق الباب الذي وجهه إلى ميدان السوق في روز خور فسماه باب خور وتفسير خور الشمس وعلق من غده ماء بر في روز ماه وماه عندهم القمر وهو الذي يسمى باب إسفيس ثم علق من غده الباب الثالث وسماه تبريز ومعناه باب عطارد وهو المسمى باب تيرة وعلق من غده الباب الرابع وسماه كوش بر وهو المسمى باب اليهودية. ومن الهندسة في تعليق هذه الأبواب أن الشمس إذا حلت أول درجة من الجدي تطلع في باب خور وتغرب في باب اليهودية وإذا حلت الشمس أول درجة من السرطان طلعت في باب إسفيس وتغرب في باب تيره. وكان بالمدينة رجل من الزبيرية يقال له محمد بن محمود فقلع باب خور وفتح باباً آخر من سورها وسمي الباب الجديد ورد مكانه باب خشيبا. على مصراع واحد. وذكر بعض المتقدمين أنه قرأ على بعض أبوابها مكتوباً يقول أشتاذويه الموكل بالقياسين والبنائين إنه ارتفع في ثمن أدم العملة لسور هذه المدينة ستمائة ألف درهم. وذكر عن بعضهم أن الموكل رفعت عليه رفيعة فحوسب فحصل عليه خمسون ألف دينار فصرفت إلى نفقة الفرهيز الملزق بأساس السور. ولم تكن المدينة مسكونةً إنما كانت حصناً لأهل قرى رستاق جي وكانوا يسكنون مدينة قه إلى أن جاء الإسلام فخربت العرب مدينة قه فتحول من بقي من أهلها إلى مدينة جي فهم أول قوم سكنوها. وأول دار بنيت بمدينة جي دار المطيار بأمر كسرى أبرويز لما فتح له المطيار مدينة قسطنطينية ثم بني فيها سائر الدور لما انتقلوا إليها من مدينة قه. ومساحة مدينة جي استدارة سورها ألف قصبة فمساحة المدينة ألفا جريب سواء وذلك أن قطرها ثلاثمائة وعشرون ألف قصبة فإذا ضرب نصف قطرها في نصف إدارتها كان ثمانين ألف قصبة وذلك ألفا جريب. في سورها من القصور مائة وأربعة قصور وهي بروج معوجة واسعة ثابتة من استدارة السور فمن باب خور إلى باب اليهودية الصغرى ألف ومائة ذراع وبينهما ثمانية عشر برجاً ومنه إلى باب تيره ألف ومائة ذراع وبينهما ثلاثة وثلاثون برجاً ومنه إلى باب إسفيس ألف وثلاثمائة ذراع وبينهما أربعة وعشرون برجاً ومنه باب خور ألف وأربعمائة ذراع وبينهما خمسة وثلاثون برجاً فدوران مدينة جي سبعة آلاف ومائة ذراع وبذراع اليد عشرة آلاف وستمائة وخمسون ذراعاً وطولها ألف وخمسمائة ذراع وعرضها ألف وسبعمائة واثنان وخمسون ذراعاً. وهذه المساحة على ما ذكر تولاها محمد بن لرة الحاسب.
وأما تمصير المسمى باليهودية فمصرها أيوب بن زياد في خلافة أبي جعفر المنصور في سنة نيف وخمسين ومائة من الهجرة وورد عاملاً على الخراج مع خال المهدي سعيد بن منصور الحميري وكان على الحرب ثم صرف سعيد وجمع لأيوب الحرب والخراج فنزل بقرية خشينان وبنى قصراً على شاطئ نهر فرسان ثم بنى بحذائه مسجداً ذا مقصورة هي باقية إلى اليوم ووضع فيه المنبر وخط سوقاً للباعة والتجار والعملة ذات صفوف في طرف اليهودية في الموضع الذي يعرف بصف التبانين واتصلت في أيام ولايته بدور اليهودية دور قرية خشينان. وخطه أهل بيته من باب مسجد خشينان طولا إلى باب باغ عيسى بن أيوب وعرضاً من جانب محلة كوراء غلى ملنجة. وكانت اليهودية تسمى في أيام مملكة الفرس كو جهودان يعني سكة اليهود وهي من صحراء قرية يوان فأحد حدودها ينتهي إلى قرية يوان والثاني إلى قرية خرجان وسنبلان والثالث إلى قريتي كماءان وأشكهان والرابع إلى قريتي جرواءان وخشينان ورقعتها سبعمائة جريب وسكنتها اليهود مقبلين على صناعاتهم القذرة كالحجامة والدباغة والقصارة والقصابة إلى أن سخط المهدي على أيوب بن زياد فحمل إلى الحضرة وحبس فاجتمع عرب قرية طهران وهم التيم على بناء مسجد جامع واسع ينقلون إليه منبر مسجد أيوب بن زياد وكان موضع صدر الجامع المسقف إلى وراء السقاية طراراً لصخر بن سنان وأرض مريكة لزيارة بطهران فوهبه للجامع فنقل المنبر إليه في سنة ست وخمسين ومائة في إمارة هانئ بن أبي هانئ بعد تمصير أيوب بن زياد لليهودية بخمس سنين. وقيل إن أول مسجد بني باليهودية مسجد بمحلة باذانه ينسب إلى الوليد بن ثمامة وكان أمير أصبهان والصحيح أن مسجد خشينان أول مسجد كبير بني بأصبهان بناه أبو خناس مولى عمر بن الخطاب في خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. واتسعت اليهودية بعد بناء جامعها بصحراء خمس عشرة قرية انضافت رقعتها إلى اليهودية وهي باطرقان وفرسان ويوان وخرجان وفلفلان وسنبلان وفراءان وكماءان وجوزادان ولنبان وأشكهان وجرواءان وخشينان وبروسكان وفابجان فلما اتسعت اليهودية اجتمع الناس لتوسيع المسجد وزادوا فيه وأضاف إليه الخصيب بن سلم الأرضين المسماة بخصيباباذ ثم أعيد بناء المسجد في خلافة المعتصم وإمارة يحيى بن عبد الله بن مالك الخزاعي المرة الثانية في سنة ست وعشرين ومائتين ثم زاد فيه أبو علي بن رستم الزيادة التي تسمى رستماباذ وكانت خانات ومستراحات فكنسها أبو علي بن رستم وأضافها إلى الجامع في خلافة المقتدر وإمارة أحمد بن مسرور سنة سبع وثلاثمائة. وأما الزيادة الأولى في جامعها وإضافة البقاع والدور إليها في سنة ست وعشرين ومائتين فكان لعبد الله بن الحسن بن حفص الذكواني فيه آثار كثيرة نصب نفسه لجميع نفقاته فيكلم فيه الرجل بعد الرجل حتى ربما يجتمع له الجمل الكثيرة ثم لا يستحقر مع هذا خاتماً أو قيمته أو كبة غزل أو قيمتها فيصرف ما يجتمع في بنائها وشرى دور وبقاع له.
وأما نفقته من بيت المال.

.نفقة الجامعين: جامع اليهودية وجامع المدينة من مال السلطان:

وثبت ذلك في ديوان الخراج مع الزيادة الأخيرة التي انتهى الحال فيها إلى أمير المؤمنين أحمد المعتمد لأجرة القوام والمؤذنين والحصر والزيت في سنة ست وخمسين ومائتين ثم ولي القاضي الوليد بن أبي الوليد في سنة تسعين ومائتين في الزيادة الثانية والعامل أبو الحسين محمد بن أحمد المعروف بابن أبي البغل المتولي لخراج سنة تسعين ومائتين وانتهت الزيادة بعد الزيادة في هذين المسجدين من سنة ست وخمسين ومائتين إلى سنة تسعين ومائتين فبلغت جملتها ثمانية آلاف ومائتين وتسعين درهماً وإطلاق هده النفقة والمبلغ كان في سنة خمس وثمانين والقضاء يومئذ إلى الوليد بن أبي الوليد منها لمسجد اليهودية ثلاثة آلاف وستمائة وخمسة وأربعون درهماً ولمسجد المدينة منها ثلاثة آلاف وستمائة وخمسة وأربعون درهماً المبلغ للمسجدين سبعة آلاف ومائتان وتسعون درهماً بعد أن وضع منها ثلث العشر ونصف العشر يلي توفير ذلك كملاً تاماً ورد به الأمر العالي في شعبان من سنة إحدى وتسعين ومائتين وكان الذي يقبض هذا المال محمد بن عاصم بن يحيى مال جامع اليهودية ومحمد بن إسماعيل بن أحمد مال جامع المدينة وكانا يليان القيام بذلك من جهة القاضي أبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم في سنة إحدى وتسعين ومائتين.

.تسمية القوام بالمسجد الجامع باليهودية:

محمد بن الفرج وكان أحد الفقهاء مقبول القول طاهر الستر ثم ولي القيام بعده عبد العزيز بن زكرياء الكسائي وكان أحد من قد شهد وقبلت شهادته ثم ولي القيام بعده الحسن بن عبيد الله بن عمر القصار الفقيه وكان أحد المستورين والمتقدمين ببلدنا ثم ولي القيام بعده محمد بن إسماعيل بن سكين وكان عدلاً حائز الشهادة ومقبول القول إلى أن توفي رحمه الله وكانت وفاته سنة خمس وسبعين ومائتين في ذي الحجة ثم ولي القيام بعده أبو عبد الله محمد بن عاصم بن يحيى ولاه القيام به أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم وكتب له به سجلاً أشهد فيه على نفسه.

.فتح أصبهان:

كان فتحها آخر سنة عشرين وقيل إحدى وعشرين من الهجرة حدثنا فاروق الخطابي ثنا أبو خالد عبد العزيز بن معاوية القرشي ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني النهاس بن فهم عن القاسم بن عوف الشيباني عن أبيه عن السائب بن الأقرع قال زحف للمسلمين على عهد عمر بن الخطاب زحف لم يزحف لهم بمثله قط زحف لهم أهل ماه وأهل أصبهان وأهل همذان وأهل الري وأهل قومس وأهل آذربيجان وأهل نهاوند فلما جاء عمر الخبر جمع الناس فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه وقال إنه زحف للمسلمين زحف لم يزحف لهم بمثله قط زحف لهم أهل ماه وأهل أصبهان وأهل الري وقومس وآذربيجان. ونهاوند وهمذان فقوموا فتكلموا وأوجزوا ولا تطنبوا فتفشخ بنا الأمور ولا ندري بأيها نأخذ. قال فقام طلحة بن عبيد الله وكان من خطباء قريش فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد يا أمير المؤمنين فإن هذا يوم له ما بعده من الأيام وأنت أمير المؤمنين أفضلنا رأياً وأعلمنا ثم جلس. فقام الزبير بن العوام فحمد الله وأثنى عليه فقال أما بعد يا أمير المؤمنين فهذا يوم له ما بعده من الأيام وإني أرى من الرأي يا أمير المؤمنين أن تسير بنفسك وتكلم بنحو كلام صاحبه ثم جلس. وقام عثمان بن عفان فحمد الله وأثنى عليه فقال أما بعد فهذا يوم له ما بعده من الأيام وإني أرى من الرأي يا أمير المؤمنين أن تسير بنفسك بأهل الحجاز وبأهل الشام والعراق حتى تلقاهم بنفسك فإنك أبعد العرب صوتاً وأعظمهم منزلةً. ثم قام علي بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه فقال أما بعد يا أمير المؤمنين فهذا يوم له ما بعده من الأيام وإني لا أرى يا أمير المؤمنين ما رأى هؤلاء القوم أن تسير بنفسك وبأهل الحجاز والشام والعراق فإن القوم إنما جاءوا لعبادة الشيطان والله أشد تغييراً لما أنكر ولكني أرى أن تبعث إلى أهل الكوفة فتسير ثلثيهم وتدع ثلثاً في حفظ ذراريهم وجمع جزيتهم وتبعث إلى أهل البصرة فليوروا ببعث. قال فقال عمر أشيروا علي من أستعمل منهم قالوا أنت يا أمير المؤمنين أفضلنا رأياً وأعلمنا بأهلك قال لأستعملن عليهم رجلاً يكون لأول أسنة يلقاها يا السائب بن الأقرع اذهب بكتابي هذا إلى النعمان بن مقرن المزني فليسر بثلثي أهل الكوفة وليدع ثلثاً في حفظ ذراريهم وجمع جزيتهم وأنت على ما أصابوا من غنيمة فلا ترفعن إلي باطلاً ولا تحبسن حقاً عن أحد هو له فإن قتل النعمان فحذيفة فإن قتل حذيفة فجرير فإن قتل ذلك الجيش فلا أرينك. قال فقدمت بكتابه على النعمان بن مقرن فسار بثلثي أهل الكوفة وترك ثلثاً في حفظ ذراريهم وجمع جزيتهم وبعث إلى أهل البصرة فوروا ببعث ثم سار حتى التقوا بنهاوند فالتقوا يوم الأربعاء فكان في المجنبة اليمنى انكشاف وثبتت المجنبة اليسرى وثبت الصف ثم التقوا يوم الخميس فكانت في المجنبة اليسرى انكشاف وثبتت المجنبة اليمنى وثبت الصف ثم التقوا يوم الجمعة فأقبل النعمان بن مقرن على بريذين له أحوى قريب من الأرض يقف عند أهل كل راية يخطبهم ويحضهم ويقول إن هؤلاء أخطروا لكم خطراً وأخطرتم لهم خطراً عظيماً أخطروا لكم جواليق رثة وأخطرتم لهم الإسلام وذراريكم فلا أعرفن رجلاً منكم وكل قرنه إلى صاحبه فإن ذلك لوم ولكن شغل كل رجل منكم قرنه ثم إني هاز الراية فرمى رجل من ضيعته وتيسرتم ثم هازها الثانية فوقف كل رجل منكم موقفه ثم هازها الثالثة فحامل فاحملوا على بركة الله ولا يلتفتن منكم أحد. قال فحملوا وحمل النعمان فكان النعمان أول مقتول رحمه الله. قال فأخذ حذيفة الراية ففتح الله عليه فجمعت تلك الغنائم وقسمتها بين المسلمين فلم أرفع باطلاً ولم أحبس حقاً عن أحد هو له وذكر الحديث بطوله.
حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا عفان بن مسلم ثنا أبو عوانة عن داود الأودي عن حميد بن عبد الرحمن قال فتحت أصبهان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
حدثنا فاروق الخطابي ثنا أبو مسلم الكشي ثنا حجاج ثنا حماد ثنا أبو عمران الجوني عن علقمة بن عبد الله المزني ح وحدثنا سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا حجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن علقمة بن عبد الله المزني عن معقل بن يسار أن عمر بن الخطاب شاور الهرمزان في أصبهان الرأس وآذربيجان وفارس الجناحان فإذا قطعت أحد الجناحين مال الرأس بالجناح وإن قطعت الرأس وقع الجناحان فابدأ بأصبهان فدخل عمر المسجد فإذا هو بالنعمان بن مقرن قائم يصلي فانتظره حتى قضى صلاته ثم قال إني مستعملك فقال أما جابياً فلا ولكن غازياً فنعم فقال عمر فإنك غاز فسرحه وبعث إلى أهل الكوفة أن يمدوه ويلحقوا به وفيهم حذيفة بن اليمان والمغيرة بن شعبة والزبير بن العوام والأشعث بن قيس وعمرو بن معدي كرب وعبد الله بن عمر فأتاهم النعمان وبينهم وبينه نهر فبعث إليهم المغيرة بن شعبة رسولاً وملكهم ذو الحاجبين وقيل ذو الحاجب واسمه مردانشاه فاستشار أصحابه فقال ما ترون أقعد له في هيئة الحرب أو في هيئة الملك وبهجته فقالوا بل اقعد له في هيئة الملك وبهجته فجلس له في هيئة الملك وبهجته على سرير ووضح التاج على رأسه وحوله أبناء الملوك سماطين عليهم ثياب الديباج والقرطة والأسورة فأخذ المغيرة بن شعبة بضبعيه وبيده الرمح والترس والناس حوله سماطين على بساط له فجعل يطعنه برمحه يخرقه لكي يتطيروا فقال له ذو الحاجبين إنكم يا معشر العرب أصابكم جوع شديد فخرجتم فإن شئتم مرناكم ورجعتم إلى بلادكم فتكلم المغيرة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إنا كنا معشر العرب نأكل الجيف والميتة وكان يطؤنا الناس ولا نطؤهم فبعث الله من رسولاً في شرف منا أوسطنا حسبا وأصدقنا حديثاً وإنه وعدنا أن ها هنا سيفتح علينا فقد وجدنا جميع ما وعدنا حقاً وإني لأرى ها هنا بزةً وهيئةً ما أرى من بعدي بذاهبين حتى يأخذوها قال المغيرة فقالت لي نفسي لو جمعت جراميزك فوثبت وثبة فجلست معه على السرير حتى يتطيروا فوجدت غفلةً فوثبت وثبةً فجلست معه على السرير فزجروه ووطئوه فقلت أفرأيتم إن كنت أنا استحمقت فإن هذا يفعل هذا بالرسل ولا نفعل هذا برسلكم إذا أتونا فقال إن شئتم قطعنا إليكم وإن شئتم قطعتم إلينا قلت بل نقطع إليكم فقطعنا إليهم وصاففناهم فسلسلوا كل سبعة وخمسة في سلسلة لأن يفروا قال فرامونا حتى أسرعوا فينا فقال المغيرة للنعمان إن القوم قد أسرعوا فينا وذكر كلاماً قال فحملنا عليهم فكان النعمان أول صريع ووقع ذو الحاجبين من بغلة شهباء فانشق بطنه وفتح الله على المسلمين وكان ذلك في سنة عشرين من الهجرة.
حدثنا أبي ثنا أحمد بن محمد بن يزيد ثنا أبو مسعود أنا محمد بن عبد الله ثنا سليمان بن اليشكري ثنا بشير بن يسار عن أبيه ح وحدثنا محمد بن علي بن إبراهيم ثنا أبو بكر محمد بن جعفر بن سعيد القزاز ثنا أبو مسعود أنا الرقاشي ثنا سليمان بن سليمان اليشكري ثنا بشير بن يسار عن أبيه أن أبا موسى الأشعري أتى أصبهان فدعاهم إلى الإسلام فأبوا فدعاهم إلى الجزية فأقروا ثم نكثوا فقاتلهم وهزمهم فكان بها وكان إذا مطرت السماء يقوم في المطر حتى تصيبه السماء. لفظهما سواء رواه غيره عن أبي مسعود فقال سليمان بن مسلم اليشكري.
حدثنا علي بن محمود بن علي ثنا محمد بن جعفر بن أحمد الطهراني ثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات ثنا محمد بن عبد الله الرقاشي ثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن شبيل بن عزرة قال حدثني حسان بن عبد الرحمن عن أبيه قال لما افتتحنا أصبهان كان بين عسكرنا وبين اليهودية فرسخ فكنا نأتيها فنمتار منها فأتيتها يوماً فإذا اليهود يزفنون ويضربون فأتيت صديقاً لي منهم فقلت ما شأنكم تريدون أن تنزعوا يدا من طاعة فقال لا ولكن ملكنا الذي نستفتح به على العرب يدخل المدينة غدا فقلت الذي تستفتحون به على العرب قال نعم قلت فإني أبيت عندك الليلة وخشيت أن أقطع دون العسكر قال فبت فوق سطح له حتى أصبحت قال فصليت الغداة مكاني فلما طلعت الشمس إذا الرهج من نحو عسكرنا يدنو حتى دنا فنظرت فإذا رجل في جيش عليه قبة من ريحان وإذا اليهود يزفنون ويضربون فنظرت فإذا هو ابن صائد فدخل المدينة لم ير بعد حتى الساعة. رواه عبد السلام بن حسام عن جعفر نحوه.
ولما أن فتح الله على المسلمين وانتشر العجم وانفضوا في البلاد وانتهى إلى عمر بن الخطاب أن يزدجرد يبعث عليه في كل عام حرباً وقيل له لا يزال هذا الدأب حتى يخرج من مملكته أذن للناس في الانسياح في أرض العجم.
حدثنا بذلك محمد بن العباس بن محمد بن حيويه وكيل دعلج قراءةً عليه وأنا حاضر ح وأخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي في كتابه إلي واللفظ له قالا حدثنا أبو محمد جعفر بن إبراهيم التيمي ثنا سيف بن عمر التميمي عن محمد والمهلب وطلحة يعني ابن الأعلم وعمرو وسعيد قالوا لما رأى أن يزدجرد يبعث عليه في كل عام حرباً وقيل لا يزال هذا الدأب حتى يخرج من مملكته أذن للناس في الانسياح في أرض العجم حتى يغلبوا يزدجرد على مما كان في يدي كسرى فوجه الأمراء من أهل البصرة بعد فتح نهاوند ووجه الأمراء من أهل الكوفة بعد فتح نهاوند وكان بين عمل سعد بن أبي وقاص وبين عمل عمار بن ياسر أميران أحدهما عبد الله بن عبد الله بن عتبان وفي زمانه كانت وقعة نهاوند وزياد بن حنظلة حليف بني عبد بن قصي وفي زمانه أمر بالانسياح وعزل عبد الله بن عبد الله وبعث في وجه آخر من الوجوه وولي زياد بن حنظلة وكان من المهاجرين فعمل قليلاً وألح في الاستعفاء فأعفى وولي عمار بن ياسر بعد زياد فكان مكانه وأمد أهل البصرة بعبد الله بن عبد الله وأمد أهل الكوفة بأبي موسى وجعل عمر بن سراقة مكانه وقدمت الولاية من عند عمر إلى نفر بالكوفة زمان زياد بن حنظلة وبعث إلى عبد الله بن عبد الله بلواء وأمره أن يسير إلى أصبهان وكان شجاعاً بطلاً من أشراف الصحابة ومن وجوه الأنصار وحليفاً لبني الحبلى من بني أسد وأمده بأبي موسى من البصرة وأمر عمر بن سراقة على البصرة وكان من حديث عبد الله بن عبد الله أن عمر حين أتاه فتح نهاوند بدا له أن يأذن في الانسياح فكتب إليه أن سر من الكوفة حتى تنزل المدائن فاندبهم ولا تنتخبهم ثم اكتب إلي بذلك وعمر يريد توجيهه إلى أصبهان فانتدب له فبمن انتدب عبد الله بن ورقاء الرياحي وعبد الله بن الحارث بن ورقاء الأسدي والذين لا يعلمون يرون أن أحدهما عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي لذكر ورقاء وظنوا أنه نسب إلى جده وكان عبد الله بن بديل بن ورقاء يوم قتل بصفين ابن أربع وعشرين سنة وهو أيام عمر صبي. ولما أتى عمر انبعاث عبد الله بعث زياد بن حنظلة فلما أتاه انبعاث الجنود وانسياحهم أمر عمارا بعد وقرأ قول الله: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} وقد كان زياد صرف في وسط من إمارة سعد إلى قضاء الكوفة بعد إعفاء سلمان وعبد الرحمن ابني ربيعة ليقضي إلى أن يقدم عبد الله بن مسعود من حمص وقد كان عمل لعمر على ما سقي الفرات ودجلة النعمان وسويد ابنا مقرن فاستعفيا وقالا أعفنا من عمل يتغول علينا ويتزين لنا بزينة المومسة فاعفاهما وجعل مكانهما حذيفة بن أسيد الغفاري وجابر بن عمرو المزني ثم استعفيا فأعفاهما وجعل مكانهما حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف حذيفة على ما سقت دجلة وعثمان بن حنيف على ما سقى الفرات من السوادين جميعاً وكتب إلى أهل الكوفة إني بعثت إليكم عمار بن ياسر أميراً وجعلت عبد الله بن مسعود معلماً ووزيراً ووليت حذيفة ما سقت دجلة وما وراءها ووليت عثمان بن حنيف الفرات وما سقى. قالوا ولما قدم عمار على الكوفة أميراً وقدم كتاب عمر إلى عبد الله أن سر إلى أصبهان وزياد على الكوفة وعلى مقدمتك عبد الله بن ورقاء الرياحي وعلى مجنبتيك عبد الله بن ورقاء الأسدي وعصمة بن عبد الله وهو عصمة بن عبد الله بن عبيدة بن سيف بن عبد الحارث فسار عبد الله في الناس حتى قدم حذيفة ورجع حذيفة إلى عمله وخرج عبد الله من نهاوند فيمن كان معه ومن انصرف معه من جند النعمان نحوجند قد اجتمع له من أهل أصبهان عليهم الأستندار وعلى مقدمته شهربراز جاذويه شيخ كبير في جمع فالتقى المسلمون ومقدمة المشركين برستاق من رساتيق أصبهان فاقتتلوا قتالاً شديداً فدعا الشيخ إلى البراز فبرز له عبد الله بن ورقاء فقتله وانهزم أهل أصبهان وسمى المسلمون ذلك الرستاق رستاق الشيخ فهو اسمه إلى اليوم ودعا عبد الله بن عبد الله من يليه فتسارع الأستندار إلى الصلح فصالحهم فهذا أول رستاق من أصبهان أخذ وصالح. ثم سار عبد الله من رستاق الشيخ نحوجي لا يجد فيها أحدً حتى انتهى إلى جي والملك بأصبهان يومئذ الفاذوسفان وقد أخذ بها فنزل بالناس على جي فحاصرهم فخرجوا إليه بعد ما شاء الله من زحف فلما التقوا قال الفادوسفان لعبد الله لا تقتل أصحابي ولا أقتل أصحابك ولكن ابرز فإن قتلتك رجع أصحابك وإن قتلتني سالمك أصحابي وإن كان أصحابي لا يقع لهم نشابة فبرز له عبد الله وقال إما أن تحمل علي وإما أن أحمل عليك قال أحمل عليك فوقف له عبد الله فحمل عليه الفاذوسفان فطعنه وأصاب قربوس السرج فكسره وقطع اللبب والحزام وزال اللبد والسرج وعبد الله على الفرس فوقع عبد الله قائماً ثم استوى على الفرس عريانا وقال له أثبت فحاجزه وقال ما أحب أن أقاتلك فإني قد رأيتك رجلاً كاملاً ولكن أرجع معك إلى عسكرك فأصالحك وأدفع المدينة إليك على أن من شاء أقام وأدى الجزية وقام على ماله وعلى أن نجري من أخذتم أرضه مجراهم ويتراجعون ومن أبى أن يدخل فيما دخلنا فيه ذهب حيث شاء ولكم أرضه قال لكم ذلك. وقدم عليه أبو موسى من ناحية الأهواز وقد صالح الفاذوسفان عبد الله فخرج القوم من جي ودخلوا في الذمة إلا ثلاثين رجلاً من أهل أصبهان خالفوا قومهم وتجمعوا بكرمان في حاشيتهم لجمع كان بها ودخل عبد الله وأبو موسى جي وجي مدينة أصبهان وكتب بذلك إلى عمر واغبط من أقام وندم من شخص. وقدم كتاب عمر على عبد الله أن سر حتى تقدم على سهيل بن عدي فتجامعه على قتال من بكرمان وخلف في جي من بقي جي واستخلف على أصبهان السائب بن الأقرع. قال وحدثنا سيف عن نفر من أصحاب الحسن منهم مبارك بن فضالة عن الحسن عن أسيد بن المتشمس ابن أخي الأحنف قال شهدت مع أبي موسى فتح أصبهان وإنما شهدوها مددا. وهذا كتاب صلح أصبهان حدثنا محمد بن العباس قراءةً وأنا حاضره وأخبرني أيضاً أحمد بن إبراهيم بن شاذان فيما كتب إلي قالا ثنا جعفر بن أحمد القارئ ثنا السري بن يحيى ثنا شعيب بن إبراهيم ثنا سيف بن عمر عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد وقالوا كتاب صلح أصبهان بسم الله الرحمن الرحيم كتاب من عبد الله للفاذوسفان وأهل أصبهان وحواليها إنكم آمنون ما أديتم الجزية وعليكم من الجزية على قدر طاقتكم على كل سنة تؤدونها إلى الذي يلي بلادكم على كل حالم ودلالة المسلم وإصلاح طريقه وقراه يومه وليلته وحملان الراجل إلى مرحلة ولا تسلطوا على مسلم وللمسلمين نصحكم وأداء ما عليكم ولكم الأمان ما فعلتم فإذا غيرتم شيئاً أو غيره مغير منكم لم تسلموه فلا أمان لكم ومن سب مسلماً بلغ منه فإن ضربه قتلناه وكتب وشهد عبد الله بن قيس وعبد الله بن ورقاء وعصمة بن عبد الله. فلما قدم الكتاب من عمر على عبد الله وأمره فيه باللحاق بسهيل بن عدي بكرمان خرج في جريدة خيل واستخلف السائب فلحق بسهيل قبل أن يصل إلى مكان كرمان وقال عبد الله: أصحابي ولا أقتل أصحابك ولكن ابرز فإن قتلتك رجع أصحابك وإن قتلتني سالمك أصحابي وإن كان أصحابي لا يقع لهم نشابة فبرز له عبد الله وقال إما أن تحمل علي وإما أن أحمل عليك قال أحمل عليك فوقف له عبد الله فحمل عليه الفاذوسفان فطعنه وأصاب قربوس السرج فكسره وقطع اللبب والحزام وزال اللبد والسرج وعبد الله على الفرس فوقع عبد الله قائماً ثم استوى على الفرس عريانا وقال له أثبت فحاجزه وقال ما أحب أن أقاتلك فإني قد رأيتك رجلاً كاملاً ولكن أرجع معك إلى عسكرك فأصالحك وأدفع المدينة إليك على أن من شاء أقام وأدى الجزية وقام على ماله وعلى أن نجري من أخذتم أرضه مجراهم ويتراجعون ومن أبى أن يدخل فيما دخلنا فيه ذهب حيث شاء ولكم أرضه قال لكم ذلك. وقدم عليه أبو موسى من ناحية الأهواز وقد صالح الفاذوسفان عبد الله فخرج القوم من جي ودخلوا في الذمة إلا ثلاثين رجلاً من أهل أصبهان خالفوا قومهم وتجمعوا بكرمان في حاشيتهم لجمع كان بها ودخل عبد الله وأبو موسى جي وجي مدينة أصبهان وكتب بذلك إلى عمر واغبط من أقام وندم من شخص. وقدم كتاب عمر على عبد الله أن سر حتى تقدم على سهيل بن عدي فتجامعه على قتال من بكرمان وخلف في جي من بقي جي واستخلف على أصبهان السائب بن الأقرع. قال وحدثنا سيف عن نفر من أصحاب الحسن منهم مبارك بن فضالة عن الحسن عن أسيد بن المتشمس ابن أخي الأحنف قال شهدت مع أبي موسى فتح أصبهان وإنما شهدوها مددا. وهذا كتاب صلح أصبهان حدثنا محمد بن العباس قراءةً وأنا حاضره وأخبرني أيضاً أحمد بن إبراهيم بن شاذان فيما كتب إلي قالا ثنا جعفر بن أحمد القارئ ثنا السري بن يحيى ثنا شعيب بن إبراهيم ثنا سيف بن عمر عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد وقالوا كتاب صلح أصبهان بسم الله الرحمن الرحيم كتاب من عبد الله للفاذوسفان وأهل أصبهان وحواليها إنكم آمنون ما أديتم الجزية وعليكم من الجزية على قدر طاقتكم على كل سنة تؤدونها إلى الذي يلي بلادكم على كل حالم ودلالة المسلم وإصلاح طريقه وقراه يومه وليلته وحملان الراجل إلى مرحلة ولا تسلطوا على مسلم وللمسلمين نصحكم وأداء ما عليكم ولكم الأمان ما فعلتم فإذا غيرتم شيئاً أو غيره مغير منكم لم تسلموه فلا أمان لكم ومن سب مسلماً بلغ منه فإن ضربه قتلناه وكتب وشهد عبد الله بن قيس وعبد الله بن ورقاء وعصمة بن عبد الله. فلما قدم الكتاب من عمر على عبد الله وأمره فيه باللحاق بسهيل بن عدي بكرمان خرج في جريدة خيل واستخلف السائب فلحق بسهيل قبل أن يصل إلى مكان كرمان وقال عبد الله:
ألم تسمع وقد أودى ذميما ** بمنعرج السراة من أصبهان

عميد القوم إذ ساروا إلينا ** بشيخ غير مسترخي العنان

فساجلني وكنت به كفيلا ** فلم يثبت وخر على الجران

برستاق له يدعى إليه ** طوال الدهر في عقب الزمان

نزلت به وقد شرقت ذيولي ** بمعضلة من الحرب العوان

وكنت زعيمها حتى تراخت ** ولم يعنى بها أحد مكاني

وقال أيضاً في يوم جي:
من مبلغ الأحياء عني فإنني ** نزلت على جي وفيها تفاقم

حصرناهم حتى سروا ثمت انتزوا ** فصدهم عنا القنا والقواصم

وجاد لها الفاذوسفان بنفسه ** وقد دهدهت بين الصفوف الجماجم

فبارزته حتى إذا ما علوته ** تفادى وقد صارت إلينا الخزائم

وعادت لقوحاً أصبهان بأسرها ** تدر لنا منها القرى والدراهم

وإني على عمد قبلت جزاءهم ** غداة تفادوا والفجاج قواتم

ليزكو لنا عند الحروب جهادنا ** إذا انتطحت في النخلتين الهماهم

إلى هنا سياق رواية شعيب عن سيف.
وذكر المدائني أن أبا مسلم صاحب الدولة قال لأبي بكر الهذلي في مسافرته لأمير المؤمنين أبي العباس وذكر له فتوح البلدان خبرني عن الذي تولى فتح بلدنا أصبهان فقد اختلف علينا في ذلك فقال أبو بكر الهذلي تولى فتح بلدكم العبادلة عبد الله بن عبد الله بن عتبان الأنصاري وعبد الله بن الحارث بن ورقاء الأسدي وعبد الله بن ورقاء الرياحي وعبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري وعبد الله بن عامر بن كريز القرشي وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي كل هؤلاء قد حضروا فتحها وفتح أطرافها منهم من كان أمير الجيش ومنهم من كان رئيس سرية أو صاحب مقدمة. وذكر غير المدائني في ولاة فتحها عمرو بن مرحوم الغاضري والأحنف بن قيس التميمي ومجاشع بن مسعود السلمي والسائب بن الأقرع الثقفي. وأهل الكوفة وأهل البصرة مختلفون في فتحها فادعى الكوفيون فتحها عند الكوفة وادعى البصريون فتحها عند البصرة وروى كل واحد روايةً يصحح بها دعواهم فادعى البصريون على صحة دعواهم ما رواه الحسن عن أسيد بن المتشمس لأنه شهد فتح أصبهان مع أبي موسى. ورواه أيضاً عن أبي عمرو بن العلاء عن نهشل الإيادي عن أبيه قال خرجت مع أبي موسى الأشعري إلى أصبهان بعد فراغنا من فتح بالقرب من مدينتها الأولى التي تسمى جي على مقدمتنا يزيد بن عبد الله الهذلي وعلى ساقتنا عبيد الله بن جندل بن أصرم الهلالي فبث أبو موسى سراياه في الرساتيق والأطراف سريةً عليها مجاشع بن مسعود إلى قاسان ففتحها وسبى أهلها وكان فيمن سبي يزدويه بن ماهويه فتىً من أبناء أشرافها فصار إلى عبد الله بن عباس فسماه وثاباً وهو والد يحيى بن وثاب إمام أهل الكوفة في القرآن. وأسرى عبد الله بن يزيد الهلالي بسرية إلى قرية كبيرة يقال لها دارك فيها بيت نار عظيم وافتتحها وسبى منها. وبعث عبيد الله بن جندل بن أصرم على سرية أخرى إلى قرية قريبة من مدينتها يقال لها الفابزان دله عليها اليهود وفيها ثلاثون حصنا فخرج إليه أهل الحصون فقاتلوه قتالاً شديداً وقتلوا جماعةً من أصحابه وانصرف إلى عسكره مخفقاً. وجعل ابنه أبا رهم بن أبي موسى على سرية أنفذها إلى المدينة الثانية مدينة قه فخرج إليهم منها زهاء ستة آلاف رجل شاكي السلاح وعليهم أخوة ثلاثة متعاضدون آذرجشنس ومهرابان وجلويه بنو جوانبه أكبرهم آذرجشنس وهو في القلب وأخواه في الميمنة والميسرة فحملوا على الجيش وقتلوا أبا رهم بن أبي موسى وهزموهم حتى رجعوا إلى فناء المدينة الأولى واستمدوا فأمدهم أبو موسى بعبيد الله بن جندل بن أصرم فقاتلوا أشد القتال وصابرا إلى آخر النهار ثم أظفر الله المسلمين بهم وبمدينتهم فقتلوا طول ليلتهم من وجدوا من رجل وامرأة وصغير وكبير وشيخ زمن حتى لم يترك فيها إلا من تخلص بروحه من تحت السيف ثم قفوا آثارهم عند الصبح فاصطفوا من السبي نحو ألف رأس حتى قال شاعرهم في ذلك:
عبيد الله أكرم من تولى ** جنود التابعين إلى الحروب

فساق التابعين وكل قرم ** من الأنصار في يوم عصيب

إلى حصن أصبهان ببطن جي ** وجاورسان ذي المرعى الحصيب

فرجعوا بسبيهم إلى باب المدينة فدخلوها صلحاً وأسسوا بها مسجدها ثم اندفعوا خوفاً من الثلج منصرفين مع أبي موسى إلى البصرة واستخلف على مدينة جي السائب بن الأقرع الثقفي. وروي عن عتاب بن إبراهيم عن مجاهد عن الشعبي أن عمر بن الخطاب كتب إلى عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي أن سر في ألفي فارس من أهل البصرة إلى أصبهان وقال غير الشعبي إن عثمان بن عفان ولى الكوفة الوليد بن عقبة فبعث عبد الله بن بديل والسائب بن الأقرع فصالحهم الفادوسفان على البلد فدخلا المدينة وبنيا مسجدها وطرح أربعة عشر رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كل رجل لبنةً في بنائها تبركاً بها. ولما انصرف أبو موسى إلى البصرة واتاهم موت أمير المؤمنين عمر نقض أهل مدينة جي العهد وقتلوا من كان بها من العرب وكانوا مقيمين على ذلك إلى أن بعث عثمان بن عفان إليهم عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ففتحها ثانيةً. فلم يزل أمر أصبهان في جملة أهل البصرة إلى سنة إحدى وأربعين وصارت الجماعة على معاوية بن أبي سفيان بعد قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فعمد معاوية فأخذ أصبهان من أهل البصرة ودفعها إلى أهل وأخذ البحرين وعمان من أهل الحجاز فأعطاها أهل البصرة مكان أصبهان. وقيل إن أول عربي دخل أصبهان عمرو بن مرحوم الغاضري بعثه المغيرة بن شعبة لما ولي البصرة من قبل عمر بن الخطاب إلى بعض ناحية فارس مجاورة لرستاق قهستان من أصبهان فدخل رستاق قهستان ثم عدل عنه إلى أرجان وسلك به الدليل على العقبة المعروفة بمارت وكان يقال لها قبل ذلك دوربشن فاستعظم سلوكها فجعل يقول للدليل ما أردت بهذا فسميت العقبة بعد ذلك بمارت. فلما كان أول سنة إحدى وعشرين وانهزمت الفرس ورجع فلها إلى عند يزدجرد بقاسان مع أشعار من أهل قرية واذنان من رستاق براءان فرحل عنها بمن معه من عياله وحشمه إلى مدينة جي ونزل بها في دار وراز بن وراز وهي التي صارت بعد رقعةً للمسجد الجامع ولدار الخراج فلذلك يقال لدار الخراج بالمدينة سراورازان.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن الفضل ثنا عبد الله بن محمد بن عيسى المقرئ ثنا الحجاج بن سيف ثنا الهيثم بن عدي ثنا غياث ثنا سعيد بن عبيد وعبد الله بن الوليد المري عن أشياخهم قال شق التيمرة من أصبهان عنوة افتتحها الأحنف بن قيس ورستاق الشيخ عنوة ورستاق برخوار ومنها سبي أبو سليمان أبو حماد بن أبي سليمان الفقيه ورستاق جرم قاسان عنوة ومنها سبي وثاب مولى عبد الله بن عباس وعقبة اليوم بأصبهان ومدينة جي وشقها صلح.
حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا محمد بن العباس الأخرم ثنا حفص الربالي ثنا عرعرة بن البرند السامي ثنا زياد الجصاص عن أبي إسحاق عن كثير قال غزونا مع أبي موسى الأشعري أصبهان وهمذان ففتحهما الله عز وجل.
حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن الفضل الخطيب ثنا محمد بن أحمد بن عمرو الأبهري ثنا أبو الحسن عبد الرحمن بن عمر رسته ثنا عبد الرحمن بن مهدي وسألته عن أصبهان ما هي قال عنوة فقلت إن بعضهم يقولون إن بعضها صلح فقال قد وجه إليها الجيش.
حدثنا أبو محمد بن إسحاق قالا ثنا محمد بن يحيى بن مندة حدثني محمد بن نصر عن يحيى بن أبي بكير عن هياج بن بسطام عن سعيد بن عبيد قال وأما أصبهان فيما حدثنا أشياخنا أن برخوار عنوة ومنه سبي أبو سليمان أبو حماد بن أبي سليمان فقيه الكوفة والتيمرة وجرم قاسان افتتحهما الأحنف بن قيس عنوةً منه سبي وثاب مولى عبد الله بن عباس.
حدثنا أحمد ابن بندار ثنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الفابزاني العقيلي سمعت عمي إسحاق ابن إبراهيم يقول سألت أحمد بن حنبل عن أصبهان فقال هي صلح.
حدثنا أبي ثنا محمد بن أحمد بن يزيد ثنا عامر بن عامر أبو يحيى قال سألت سليمان بن حرب عن أصبهان فقال لا يباع فيها ولا يشترى. وإذ قد ذكرنا أمر بنائها وفتحها واختلاف القائلين في صلحها وعنوتها أحببنا أن نضيف إليه.